مصر على موعد مع التاريخ

في حدث عالمي وتاريخي كبير يفتتح السبت المتحف المصري الكبير في القاهرة رسميا، بعد تحضيرات مكثفة. و تتجه الأنظار نحو مصر التي تستعد لتدشين “المتحف المصري الكبير”، المصنف كأضخم مشروع ثقافي وأثري من نوعه عالميًا، كما ويمثل هذا الصرح أيقونة معمارية تجمع بين عراقة التاريخ المصري وأحدث التقنيات الحديثة لعرض الآثار، وفي ظل هذا الاستعداد تشهد محركات البحث تزايدًا ملحوظًا في استفسارات الجمهور والشغوفين، حول موعد إطلاق فعاليات الافتتاح، تأكيداً على الاهتمام الواسع بالحدث الذي سيقدم آلاف القطع الأثرية النادرة ويعكس رؤية مصر المتطورة في صون وعرض تراثها الحضاري الممتد عبر آلاف السنين.
وقد استغرق بناء المتحف ذي التصميم المعاصر والقاعات الضخمة العالية السقف، أكثر من 20 عاما، وتجاوزت كلفة بنائه مليار دولار. ويتوقع أن يستقطب خمسة ملايين زائر سنويا للتجول في قاعات تضم قطعا أثرية ذات مكانة رمزية، وأخرى تعرض للمرة الأولى.
وقد تفاعل المصريون مع السلطات التنفيذية ووسائل الإعلام المصرية ووسائل التواصل الاجتماعي بالمتحف الذي يمثل “هدية مصر للعالم”، ولجأ الملايين من المصريين الى الذكاء الاصطناعي لتصميم صورا لهم وهم يرتدون الملابس الفرعونية بجميع اشكالها. ويشكل افتتاحه “حدثا تاريخيا” و”فصلا جديدا في تاريخ الحضارة المصرية”، و”حلما يليق بمصر، بحضارتها الممتدة عبر آلاف السنين”.


ومن المتوقع أن يحضر حوالي 80 وفدا رسميا الافتتاح، من بينها 40 وفدا يتقدمها ملوك وأمراء ورؤساء دول وحكومات، بحسب وزارة الخارجية المصرية.
افتتاح “يليق بمكانة مصر“
وسيتاح لزوار المتحف بعد فتح أبوابه أمام العامة اعتبارا من الثلاثاء، استكشاف 4500 قطعة جنائزية من أصل خمس آلاف كانت موزعة حتى الآن في مواقع عدة، من بينها المتحف المصري بالقاهرة في ميدان التحرير.
وقد رأس الرئيس عبد الفتاح السيسي الأسبوع الماضي اجتماعا ضم عددا من المسؤولين الكبار لمتابعة التحضيرات لافتتاح المتحف.
وشدد الرئيس السيسي، بحسب بيان للرئاسة، على ضرورة تنظيم حفل افتتاح “يليق بمكانة مصر، ويعكس ريادتها في مجال المتاحف والثقافة العالمية، ويسهم في تعزيز الترويج السياحي للبلاد”.
وأكد “ضرورة أن تعكس صورة الاحتفالية ليس فقط عظمة هذا الصرح العالمي، بل أيضا حجم الإنجاز والتطور الذي تشهده الدولة المصرية في مختلف المجالات، بما يتناسب مع مكانتها الحضارية أمام العالم”.
17,8 مليون سائح منتظر
وسعيا للوصول إلى جمهور أوسع، أعلنت “الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية” (UMS)، المجموعة المصرية المشرفة على الافتتاح، توقيع “شراكة استراتيجية” مع تيك توك تهدف إلى “تعزيز الرؤية الثقافية لمصر على الساحة العالمية”.
وقد بلغت إيرادات السياحة 14,4 مليار دولار في السنة المالية 2023-2024، بزيادة قدرها 34,6 في المئة عن العام السابق، مع عدد قياسي من السياح منذ الجائحة.
واستقبلت مصر خلال الأشهر التسعة الأولى من السنة 15 مليون زائر ، بزيادة قدرها 21 في المئة مقارنة بالفترة ذاتها من العام السابق، مع إيرادات بلغت 12,5 مليار دولار (بزيادة قدرها 14,7%)، وفقا للأرقام الرسمية.
وتتوقع السلطات المصرية أن يبلغ عدد السياح هذه السنة 17,8 مليون شخص، وأن يرتفع إلى 18,6 مليونا في 2026، بفضل السياحة الشاطئية والسياحة الثقافية.
أهم خمس مزايا للمتحف
ما هي أهم مزايا المبنى الضخم الذي تقول السلطات المصرية إنه “أكبر صرح ثقافي في القرن الواحد والعشرين”؟
الهرم الرابع
صممت شركة “هينغان بينغ” الإيرلندية الواجهة الحجرية والزجاجية للمبنى لتكون “الهرم الرابع” لهضبة الجيزة، بالقرب من أهرام خوفو وخفرع ومنقرع.
يضم المتحف ذو التصميم الحديث نحو مئة ألف قطعة أثرية من 30 سلالة فرعونية، سيُعرض نصفها تقريبا، بينما يُحفَظ الباقي في مخازن أو مستودعات.
تجاوزت كلفة بناء المتحف مليار دولار، واستغرق بناؤه أكثر من عشرين عاما. ومع توقع أن يستقبل خمسة ملايين زائر سنويا، يهدف المشروع لتعزيز إيرادات السياحة الحيوية لدعم الاقتصاد.
تمثال رمسيس الثاني
وُضع تمثال الملك رمسيس الثاني الضخم الذي يزن 83 طنا ويبلغ ارتفاعه 11 مترا، عند مدخل ردهة المتحف الفسيحة.
حكم رمسيس الثاني قبل أكثر من ثلاثة آلاف عام (1279-1213 قبل الميلاد). ويُعد هذا الفاتح والباني من أشهر ملوك الفراعنة، فقد جاب تمثاله العالم مرتين ضمن جولتين استقطبتا ملايين الأشخاص، الأولى عام 1986، والثانية بين عامي 2021 و2025.
سيكون المتحف المصري الكبير المقر الأخير للتمثال بعدما تنقل مرارا منذ اكتشافه عام 1820 قرب معبد ممفيس جنوب القاهرة. وقد رُفع التمثال أمام محطة القطار المركزية في العاصمة بين عامي 1954 و2006، قبل أن يُنقل في موكب مهيب إلى جوار أهرامات الجيزة.
كنوز توت عنخ آمون
في المتحف قاعة مخصصة لتوت عنخ آمون، تضم كنوز الفرعون الذي يعد الشخصية الأعظم في مصر القديمة.
يُعرض فيه أكثر من 4500 قطعة جنائزية من أصل خمس آلاف قطعة اكتشفها عالم الآثار البريطاني هاورد كارتر عام 1922 في مقبرة سليمة في وادي الملوك.
من أشهرها قناع توت عنخ آمون الجنائزي الذهبي المُرصّع باللازورد، وتابوته الحجري المصنوع من الكوارتز الأحمر والذي يحتوي على ثلاثة توابيت مُتداخلة، أصغرها مصنوعٌ من الذهب الخالص، ويزن 110 كيلوغراما.
بعد سنواتٍ من الجدل بشأن سبب وفاة الفرعون الشاب في التاسعة عشرة من عمره (عام 1324 قبل الميلاد)، عزت اختبارات جينية ودراسات إشعاعية أُجريت في أوائل العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين وفاته إلى الملاريا المُصحوبة بمرضٍ في العظام.
قاربان شمسيان
صمم مبنى منفصل بمساحة 4000 متر مربع خصيصا لاستضافة المركب الشمسي للفرعون خوفو، والذي يوصف بأنه “أكبر وأقدم قطعة أثرية خشبية في تاريخ البشرية”.
بني المركب، المصنوع من خشب الأرز والأكاسيا، قبل نحو 4600 عام، ويبلغ طوله نحو 43,5 مترا، وقد اكتُشف عام 1954 في الركن الجنوبي من أكبر الأهرامات الثلاثة.
ويمكن للزوار عبر جدار زجاجي، مشاهدة أعمال الترميم الدقيقة الجارية على مركب شمسي ثانٍ اكتُشف عام 1987، ونقل في أوائل العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين قرب الهرم نفسه.
واجهة بانورامية
افتتح المتحف بشكل جزئي للعامّة في أكتوبر 2024. وقد أطلق مشروع المتحف عام 2002 في عهد الرئيس الراحل حسني مبارك، وتأخر بناؤه كثيرا. كما أرجئ افتتاحه الرسمي مرارا بسبب عدم الاستقرار السياسي المرتبط بالربيع العربي، وجائحة كوفيد، ثم التوترات الإقليمية. وقد بني المتحف المصري الكبير حول درج ضخم مُزيَّن بتماثيل ومقابر ضخمة، يؤدي إلى واجهة بانورامية واسعة تُطل على الأهرامات.
في الطابق العلوي، تُعرض في 12 قاعة، قطع من تاريخ الحضارة الفرعونية، ممتدة على خمسين قرنا من التاريخ عبر ثلاثين أسرة، بدءا من عصور ما قبل التاريخ وحتى الحقبة اليونانية-الرومانية. يضم المبنى أيضا مخازن مفتوحة للباحثين، ومختبرات وورش ترميم، ومكتبات، ومركز مؤتمرات، ومطاعم، وأروقة تسوق.
ويحظى حفل الافتتاح بتغطية إعلامية غير مسبوقة، إذ منحت الهيئة العامة للاستعلامات تصاريح لأكثر من 450 مراسلا يمثلون 180 وسيلة إعلامية دولية، بالإضافة إلى وصول 40 مؤسسة إعلامية أوروبية و24 مؤسسة أمريكية و30 شبكة إعلامية آسيوية و48 قناة عربية و70 قناة وشبكة تليفزيون عالمية كبرى لتغطية الحدث، إضافة إلى 35 وكالة أنباء دولية مصورة، ما يعكس الأهمية العالمية للمتحف الكبير.
وللمواطنين داخل مصر وخارجها، يمكن متابعة الحفل عبر البث المباشر على عدة قنوات أبرزها: قناة إكسترا نيوز، قناة القاهرة الإخبارية، قناة أون، القناة الأولى المصرية، قناة الحياة، وقناة دي إم سي، لتتيح الفرصة لمتابعة الحدث التاريخي لحظة بلحظة.
وحددت وزارة السياحة والآثار أسعار التذاكر كما يلي: للمصريين 200 جنيه، وللطلاب وكبار السن والأطفال 100 جنيه، بينما بلغ سعر تذكرة الأجانب والعرب 1200 جنيه مع تخفيض يصل إلى 600 جنيه للطلاب والأطفال، أما المقيمون من غير المصريين فتُتاح لهم التذاكر بسعر نصف قيمة التذكرة العادية للأجانب.
وقد أكد شريف فتحي، وزير السياحة والآثار، تقديره للجهود الكبيرة المبذولة من فرق العمل بالمتحف والوزارة، مشددًا على ضرورة الالتزام بأعلى معايير الجودة والدقة في جميع مراحل التنفيذ، مع الاهتمام بأدق التفاصيل لضمان خروج الحدث التاريخي بالصورة المشرفة التي تعكس عراقة مصر الحضارية وعظمة هذا الصرح الفريد.








