إلى “حماس” و”القسام”… اتقوا الله بشعب غزة
كتب ـ أحمد الجارالله:
مع صباح اليوم تكون الحرب على غزة أكملت يومها الـ23، وليس في الأفق أيُّ بوادر لوقف إطلاق النار الذي يحصد الأحياء والأخضر واليابس، ويحرق كل شيء في طريقه.
في كل هذه النار لا بد من المكاشفة، والتحدث بصوت مرتفع إلى حد الصراخ، علَّ يسمع من بهم صمم، أن مغامرة “القسام” التي كان يعرف بها أربعة قادة داخل القطاع، لم تكن بمستوى التحدي الذي اختار توقيته أولئك، ولا هم كانوا على قدر من الذكاء، كما كان عليه المغفور له، الرئيس أنور السادات، رحمه الله، الذي اختار توقيت حرب العبور بعناية، وكان يستند إلى فصيل واحد هو الشعب المصري، وجيشه “خير أجناد” الأرض.
صحيح يومها استرد العرب فخرهم، وليس المصريون فقط، لكن من يطالع مآلات حرب أكتوبر، يدرك منذ اللحظة الأولى أن الرجل لم يكن بوارد “محو إسرائيل من الوجود”؛ لأن موازين القوى الدولية، يومها وحالياً، لا تقبل ذلك، فالعالم الغربي عمل على ايجاد إسرائيل لكي تبقى، وهذه الحقيقة دفعت بالسادات إلى وصف تلك الحرب بـ”حرب التحريك” للقضية، وهو ما أعلنه مرات عدة بعد وقف العمليات العسكرية.
منذ لحظة اللقاء مع وزير الخارجية الأميركي هنري كسينجر، والتهديد الذي حمله إلى القاهرة، أدرك الرجل أن “99 في المئة من أوراق اللعبة بيد واشنطن”، وهذه عبارته الشهيرة التي لم يقتنع بها العرب يومذاك، فذهب إلى مفاوضات “خيمة الكيلومتر 101″، وأعلن الهدنة كمقدمة لتسوية كبرى، وكان له ذلك؛ لأن العالم كان في وضع يحتاج إلى قرار جريء، بعدما كان يتهم العرب أنهم لا يريدون السلام، لا سيما أن الـ”بروباغندا” الإسرائيلية الكاسحة للمجتمعات الغربية كانت تكرر نشر شعار أحمد الشقيري، الذي تبناه عبد الناصر “سنرمي اليهود في البحر”.
يومذاك لم يعترض على موقف السادات في مصر إلا “الإخوان المسلمين”، ليس لأنهم يسعون إلى تحرير فلسطين، بل هدفهم الإمساك بالحكم، ولو على حساب أرض مصر، وشعبها.
لهذا تشاء الصدف أن يستولوا على مقاليد السلطة في العام 2012، بعد حركة 25 يناير التي أطاحت المغفور له، الرئيس محمد حسني مبارك، رحمه الله، فاكتشف الشعب المصري خلال سنة واحدة أنهم الأكثر التصاقاً بإسرائيل.
يومها وافقت تلك الجماعة بطريقة غير مباشرة على خطة الإسرائيلي غيورا ايلاند، وهي تستند إلى إقامة دولة في غزة وسيناء وحكم ذاتي في الضفة، وكشف يومها الرئيس محمود عباس أن الرئيس المخلوع محمد مرسي فاتحه بالأمر.
لماذا العودة إلى هذه الحقائق؟
ما يجري اليوم في غزة، وتلك “الفتيشة” التي أقدمت “كتائب القسام” على إشعالها، وجدت من يركب موجتها، وهم قادة “حماس” (وهم من جماعة “الإخوان”) في الخارج الذين باتوا خبراء باستثمار دم الشعب الفلسطيني، فأعلنوا من خلف شاشات التلفزة أنهم حققوا الانتصار على إسرائيل، وأنها زائلة بعد وقت قريب.
هؤلاء يعيشون على فكرة خيالية؛ لأنهم لم يروا هذا الدعم الغربي الكبير لإسرائيل و”طوفان الأسلحة والمال” الذي أغرقت به تل أبيب.
لا بد أن يقتنع هؤلاء، بأن أحلام العصافير لم تنطبق على الواقع، ففي السادس من أكتوبر 1973، وللمصادفة التاريخية، كان يوم سبت، وعيداً لليهود، كانت مصر تتمتع بقدرات عسكرية كبيرة، ولم تكن محاصرة، بل وجدت أيضا دعماً عربياً.
أما يوم السبت السابع من أكتوبر الجاري، وهو أيضاً يوم عيد لليهود، كانت “القسام” تتصرف بمفردها، ولم تحسب رد الفعل الإسرائيلي، لهذا بعد انتهاء الحرب أيضاً ستتكرر مقولة نصرالله “لو كنت أعلم”، لكن بلسان يحيى السنوار.
قبل السابع من أكتوبر كانت إسرائيل مُفككة سياسياً، وتزدحم شوارعها بالتظاهرات الرافضة لسياسة بنيامين نتانياهو، وكادت تنفجر من الداخل، فجاءت هذه العملية كي تعيد توحيدها، وتنقذ نتانياهو من ثلاث قضايا فساد متهم فيها، ولذلك بدلاً من ذهابه إلى السجن جعله “طوفان الاقصى” زعيماً إسرائيلياً على غرار ديفيد بن غوريون.
لا بدَّ من القول: إنَّ ما تُمارسه تل أبيب في القطاع من قتل وتهديم لا يوازي الخسائر التي تكبَّدتها، ففي حين بلغ عدد الضحايا الغزيين 7400 قتيل، ونحو 19000 جريح، وتدمرت نحو 250 ألف وحدة سكنية، وخرجت 22 مستشفى من الخدمة، فإن حصيلة إسرائيل إلى اليوم هي 1450 قتيلاً، وستة آلاف جريح، ويتلقى الجرحى أفضل عناية طبية، فيما أهل غزة يعانون من الحصار المضروب عليهم، فلا ماء أو غذاء أو معدات طبية.
لنقلها بصراحة: الغزاويون بدأوا يعلنون، وعلى الملأ، ضجرهم من الوضع الحالي، بينما كل من تكلم منهم، أو من أوصل صوتهم يُتهم بأنه صهيوني، وعميل إسرائيلي، حتى وصل الاتهام إلى رؤساء دول الخليج العربية، التي منذ اللحظة الأولى للعدوان، تجندت من أجل وقف المذبحة.
هل كان المطلوب من رئيس دولة الإمارات، أو ملك المملكة العربية السعودية، أو ملك البحرين، أو أمير الكويت، وغيرهم، أن يحملوا السلاح ويذهبوا إلى غزة، فيما الذين يتاجرون بالقضية مما يسمى “محور الممانعة”، والذين حرضوا على هذه الحرب، يعقدون الصفقات على دم الفلسطينيين؟
الجميع نصح بإطلاق سراح الرهائن الموجودين عند “القسام”، لكن الحماقة أعيت من يُداويها، ولهذا نُكرر أنَّ المرحلة تحتاج إلى رجل قرار كأنور السادات، وأن تكون هناك سلطة وطنية فلسطينية موحدة، فلا “يفتح كل طرف من 21 فصيلاً على حسابه”.
المصدر : السياسة الكويتية